كندا ... قد تكون فرصتك للتغيير
من المفاهيم المغلوطة عن كندا أنها دولة تعمل كمؤسسة خيرية، همُّها فقط مساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف ونشر الخير بالمجان ومن دون مقابل، وهذا الإعتقاد الخاطئ قاد بعض المهاجرين إلى التقلب بين ثنايا الفشل فيها، فكندا ليست كذلك، وعلى الرغم من أنها دولة رأسمالية إلاَّ أنها أيضاً تتبنى مبادئ إشتراكية، فهي تطبق مقولة "فلاديمير لينين" الماركسي قائد الثورة البلشفية: (من لا يعمل لا يأكل)، فهي ليست جمعية خيرية، إنما شركة ذات مسؤولية محدودة (ذ.م.م.) يملك كل مواطن فيها سهم يَحِق له بموجبه الإستفادة من مُقدَّرات الدولة تحت إدارة رئيس الوزراء الذي يلعب دور المدير التنفيذي (CEO) للشركة، فأنت كمواطن كندي يجب عليك أن تعمل وتكدح وتدفع الضرائب حتى يَحق لك الإستفادة من خيرات البلاد، وقد أقر الدستور الكندي صراحة بهذا الأمر، وقام بتحديد مسؤوليات المواطنة وذكر منها:
من قيم المواطنة الكندية المهمة، أن يَتحَمُّل الفرد مسؤوليته الخاصة ومسؤولية عائلته من خلال الحصول على وظيفة للإنفاق عليها، والعمل الجاد للمحافظة عليها مُوحَّدة، فالعمل يُساهم في حفظ الكرامة الشخصية وإحترام الذات وإزدهار كندا.
فإدارك حقيقة أنَّ كندا ليست جنة المأوى أو فندق خمس نجوم ... مهم جداً لإدراك النجاح فيها، فإياك أن تعتمد في هجرتك على معونات الحكومة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، لأنها ستُلبسك ثوب الذل وأنت مفجوع، وستقضي على أي كرامة لك فيها وتُبقيك مقموعاً، فأولئك الذين أضاعوا حياتهم من دون عمل وكانوا يعتاشون من المساعدات الحكومية التي لا تكفي حتى أجرة المنزل، عندما تقدم بهم العمر تفاجئوا أنه ليس لهم أي راتب تقاعدي من الدولة، لأنهم لم يعملوا في شبابهم ولم يدفعوا الضرائب ولم يُساهموا في بناء إقتصاد البلاد، فَلَفظهم النظام وتركهم على هامش المجتمع ينامون في العراء ليس لهم أي قيمة، فحتى تستفيد من خيرات البلاد ... يجب عليك أن تعمل أولاً.
كندا دولة مسؤولة تأسست على مبدأ المساهمة والتكافل المجتمعي، فالجميع يمكنه الإستفادة من خيرات البلاد وفقاً للدستور الذي يحترم المواطن ويكفل له العيش الكريم، وهذا النظام أفضل بمليون سنة ضوئية من أنظمة العالم الثالث التي تبنت نظاماً إقطاعياً يعتمد على صاحب المزرعة الذي إستأثر لنفسه وأسرته بثروات البلاد وخيراتها، وبعدها سمح لشعبه بالإستيطان في ملكيته كرماً منه ومن عائلته المالكة.
كندا مدركة أنه إن كانت تريد لرؤيتها أن تنجح، فلابد للشعب من أن يعمل، وحتى يصبح هذا الأمر ممكناً، قامت الدولة بتصميم الكثير من البرامج التي تُسهل سبل الحصول على عمل، فلم تترك شعبها حيران يتقلب في الفقر، ومن تلك البرامج منح القروض الدراسية لتغطية نفقات كل من يريد الإلتحاق بالمقاعد الجامعية، وهذا البرنامج يُسمى في مقاطعة أونتاريو بـ (OSAP) والذي يعني (Ontario Student Assistance Program) أي (برنامج مساعدة طلبة أونتاريو) والذي تم تصميمه لجميع الفئات العمرية من دون تمييز.
لنفترض أنك درست علوم الهندسة بناءاً على رغبة أهلك ومحيطك المجتمعي، وعندما بلغت الـ ٣٥ من عمرك، إكتشفت أنك لا ترغب هذه المهنة وميولك في مجال آخر، ولا تملك من المال ما يكفيك للعودة إلى الجامعة، فيمكنك الإستفادة من هذا البرنامج لبدء حياة مهنية جديدة توافق قدراتك الفطرية، بدلاً من أن تبقى تقوم كل يوم بما لا ترغب به إلى أن تلقى الله سبحانه وتعالى.
الجميل أنه في كندا يمكنك تغيير مهنتك إن رغبت من دون عواقب تُذكر، والمجتمع المدني والمهني متأقلم على ذلك، وتعمل الحكومة مافي وسعها لتحقيق هذا الأمر ... بل وتُشجع عليه، لأنها تعتقد أنَّ هذا التغيير سيساعد في دفع عجلة الإقتصاد وإبقاء البلاد بعيدة عن أي ركود إقتصادي، وهذا خلاف العالم الثالث، فتغيير التخصص ليس مُرحَّباً به على الصعيد المهني، فعلى سبيل المثال إن كنت قد بلغت من العمر ٤٠ عاماً في حقل تكنولوجيا المعلومات، وبعدها قررت الإنتقال إلى علوم الإقتصاد، فلن تجد من يُرحب بك في مؤسسته، لأنهم يعتبرون أنه قد فاتك القطار، وعلى المستوى العائلي ستنهال عليك الإتهامات بأنك شخص مستهتر وغير مسؤول ولا تعي ما تقوم به، لأنك أضعت جهد أبويك الذين تكبدوا العناء لتأمين دراستك الجامعية، ووقتها ... ماذا ستكون ردة فعلك؟ على الأغلب أنك ستنصاع لصوت الأغلبية في المنظومة الإجتماعية التي تنتمي إليها وتستلم إلى الآبد!
طبعاً هذا الأمر خلاف حركة النجاح، فالعظماء الذين نقرأ عنهم اليوم في كتب التاريخ لم يبلغوا تلك العظمة إلاَّ عندما ساروا في اتجاه مغاير لمجتمعاتهم، وهذا المسير لم يكن إعتباطاً من أجل الشهرة كما يحدث اليوم، إنما كان وفقاً لقدراتهم الفطرية التي اكتشفوها متأخرين، وقرروا أن يستثمروها بدلاً من إضاعة ما بقي من أعمارهم فيما لا يرغبون، فعندما يعمل الإنسان في مجالات لا يرغبها، يعتريه الخمول والكسل وعدم الرغبة في الإستقياظ صباحاً للذهاب إلى العمل، أما الذين يقفزون من أسرَّتهم يهرولون إلى أعمالهم ... هم أولئك الذي اختاروا أعمالاً توافق قدراتهم الفطرية.
لكن يجب الإنتباه إلى حقيقة غاية في الأهمية عن طريقة عمل قوانين الرزق الكونية التي قدَّرها الله سبحانه وتعالى في الأرض بعدله ومشيئته، هذه الحقيقة فهمتها متأخراً عندما وصلت إلى كندا وبدأت بمطاردة رزقي، فقد أدركت أنَّ كل دولة على هذه الكرة الأرضية لها قوانين لتحصيل الرزق فيها، وقد تتشابه مع غيرها من الدول أو تختلف، وهذا يعني أنه ليست كل الأعمال في كندا تُدرُّ المال، وهذه القوانين لا تسري فقط في كندا ... بل في كل مكان على وجه الأرض.
فعلى سبيل المثال، إذا كنت تمتهن مهنة هندسة البترول في السعودية وكانت تُدرُّ عليك المال هناك، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنَّ هذه المهنة ستدر عليك المال في ألمانيا، وإذا كنت تتمتع بمال وفير في أمريكا لأنك عالم فضاء في وكالة الناسا، فهذا لا يعني أنَّ هذه المهنة ستدر عليك أي مال في مصر، بل قد تُصاب بالضيق والفقر هناك، فإذا أردت أن تعلم ما إذا كنت ستحصل على الإستقرار في كندا - والمال بلا شك هو بداية الإستقرار - فعليك أن تبحث عن قوانين الرزق فيها، وحاول أن تعلم ما هي المهن والأعمال التي تأتي بالمال هناك، وبعدها ستعلم إذا ما كانت مهنتك واحدة منها أم لا، وهذا جزء مهم من التخطيط الذي أشرت إليه في مقالي السابق (لماذا اخترت الهجرة إلى كندا؟).
فالذين لا يُحسنون البحث والتخطيط وفهم مجريات الواقع، لن يستفيدوا من برامج الحكومة الكندية ولن يعلموا للنجاح أي طريق، وهنالك الكثير من الكنديين الذين أخذوا قروضاً دراسية وغيروا تخصصاتهم، ولكنهم لم يُفلحوا في اختيار تخصص يأتي بالمال، فتكبدوا الديون وغرقوا في دوامة الفقر، فقد يكون من المفيد لك أن تغير تخصصك ... ولكن ضمن بحث منطقي يضمن بموجبه أنك في صعود وليس في هبوط.
التغيير ليس أمراً سهلاً لأنه ليس إعتيادياً، لكنه قد يكون سبيل النجاح الوحيد، فلن تستشعر قدرة الله في حياتك إلاَّ إذا أقدمت على أمور غير إعتيادية، فإذا بقيت تعيش حياتك بالطريقة النمطية المليئة بالخوف من أي خطوة تخطوها، لن تشعر بقدرة الله ولن تفهمها أبداً، وستبقى تقول ... لماذا الله لا يساعدني؟ لماذا أدعو الله ولا يستجيب لي؟
خالف الأعراف البشرية وتحرك بعكس التيار، ووقتها فقط ... سترى قدرة الله في حياتك!
منقول حسين يونس
0 التعليقات: