عقبات التوظيف تقف في وجه تحقيق أحلام الهجرة في كندا !!!
«لا شيء ببلاش»... هكذ بدأ محمود عبد الله علي حديثه عن الحياة في كندا التي هاجر اليها من مصر عام 1978، مشيراً الى التضحيات التي يقدمها المهاجر مقابل البحث عن فرص أفضل في وطن جديد. وتحدث علي عن تجربته خلال 3 عقود من الغربة، بينما كان يداعب صديقه محمد ويتوعده بخسارة في لعبة الطاولة في مقهى «ليالي الشرق» في إحدى ضواحي تورونتو الشرقية. ويتبادل علي ومحمد النكات والاحاديث في المقهى حيث يلتقي العرب لاسترجاع ذكريات ماضيهم في مقاه في القاهرة وعمان والقدس وغيرها من المدن العربية. ومحمود عبد الله علي هو نموذج من آلاف العرب الذين يتوجهون الى كندا لبناء مستقبل جديد لأنفسهم وأبنائهم، ليجدوا ان الأوضاع ليست كما تصوروها. وروى علي قصة مجيئه الى كندا لـ«الشرق الأوسط» بحثاً عن «الحرية» بعدما تخرج من كلية الطب في القاهرة، قائلاً: «أردت العيش في مكان يسمح لي بحرية العمل والتعبير عن الرأي وحق العمل من دون حدود». ولكنه أضاف ان الواقع عند المجيء الى كندا ليس مثل التصورات، موضحاً: «كندا مثل المصنع، كل ما تحصل عليه تدفع ثمنه، وهذا هو النظام الرأسمالي في آخر المطاف». وتابع: «لا شيء ببلاش حقاً، ولكن المهم أن ذلك واضح وتعرف ثمنه... ولا يوجد خوف من السياسة وتبعاتها». وعلى الرغم من أن علي توجه الى كندا في إطار الهجرة المهنية، وحصل على موافقة الهجرة بسبب خلفيته المهنية، إلا انه لم يحصل على عمل في كندا لأن شهادته غير معترف بها. والمشكلة التي واجهت علي ليست فريدة أو غريبة، بل إن نسبة عالية من المهاجرين الى كندا تعاني منها، خاصة الذين يأتون الى كندا بناءً على نظام الهجرة المهنية. وتقدر وزارة «التراث» المعنية بالمهاجرين والهوية الكندية أن كندا تخسر حوالي ملياري دولار سنوياً بسبب عدم الاستفادة من خبرات المهاجرين إليها. وأكد علي انه حاول معادلة شهادته في كندا والالتحاق بنقابة الأطباء الكندية، لكنه فشل مرات عدة، مما دفعه الى ممارسة أعمال متعددة من اجل «لقمة العيش» على حد تعبيره، لينتهي بادارة شركة سيارات أجرة لديها 25 سيارة. وأضاف أن «400 ألف طبيب ومهندس في كندا فعلوا ما فعلته بسبب البيروقراطية الكندية». ولم يحقق علي أحلامه بممارسة الطب، ولكن أولاده بدأوا بتحقيق جزء من أحلامه بشق حياة جديدة في الوطن الجديد، فلديه ولد أصبح محامياً، وأربع بنات نجحن في دراستهن. وشرح: «المستقبل هو دائماً للجيل الثاني من ابناء المهاجرين، فعجلة الحياة مفتوحة لهم هنا، وما دام أنهم يدخلون في مجال التعليم هنا يحصلون على الفوائد من خلال النظام الدراسي والتعليمي». وهناك جانب اقتصادي وطبقي مهم في ما يخص تجربة العرب في كندا. فبينما يوجد اطباء ومحامون وسياسون كنديون من اصول عربية نجحوا في عملهم، هناك الآلاف من الذين لم يستطيعوا شق طريقهم في مجال اختصاصهم. ولفت المدير التنفيذي لـ«الاتحاد الكندي – العربي» محمد بن جنون الى ان «الجاليات من أصول عربية ومن جزر الهند الغربية تعاني من أعلى نسب من البطالة، على الرغم من أن العرب هنا يعتبرون من أكثر المهاجرين ثقافة». وأضاف بن جنون، وهو مغربي المولد ولديه خبرة في الصحافة والسياسة في كندا قبل الانضمام الى «الاتحاد الكندي العربي»، أن الكثير من العرب يواجهون مشاكل في ما يخص العمل ولا يحصلون على الوظائف التي تناسب تعليمهم. وعاتب الحكومة قائلاً: «تجلبون النخبة من المجتمعات الى كندا ومن ثم تقولون لهم إن شهاداتهم غير صالحة، وفجأة يصبحون مواطنين من الدرجة الثانية. ويضاف الى ذلك العنصرية التقليدية لمن يظهر مختلفاً بعض الشيء عن باقي الكنديين، فينتهي العرب بنوعين من العنصرية». وتابع: «الحكومة لا تملك العزم السياسي الكافي لتواجه النقابات في هذا البلد، والنقابات لا تريد إشراك احد في مجال العمل، وهذا كله ينتهي بعنصرية واضحة لا يمكن نفيها». وعبد عبد الله من بين هؤلاء الذين لجأوا الى مهنة خارج مجال اختصاصه بسبب عدم حصوله على الوظيفة التي تناسبه. فبعد قضاء سنوات بين وظائف عدة مؤقتة، استقر عبد الله على قيادة سيارة أجرة، تؤمن له ولزوجته وأولادهما الأربعة عيشة كريمة. وقال عبد الله: «عملت في شركة تختص ببرمجة الكومبيوتر، ولكن لم أحصل على فرصة للعمل بشكل دائم على الرغم من تقدمي في عملي وحصولي على شهادة من «مايكروسوفت» واثبات قدرتي في العمل». وعلى الرغم من ذلك، لا يشعر عبد الله، وهو صومالي الأصل، بأنه «ضحية للعنصرية على صعيد شخصي، فالحياة العامة جيدة هنا على الرغم من الصعوبات في العمل». وقال عبد الله إنه يحرص ألا يشعر أولاده بأنهم يختلفون عن غيرهم في المجتمع الكندي، قائلاً: «لا أؤمن بلوم الآخرين، فكل شخص يحصل على ما كتب له وكل شخص قد يشعر انه يواجه مصاعب معينة». وأضاف عبد الله الذي جاء الى كندا عام 1987 وجلب معه والدته وشقيقه: «المهم أن يبذل المرء جهده، وعلى الرغم من أنني لم أحقق كل ما أردته ولكن أبنائي يبنون أنفسهم هنا». وأينما تسير في شوارع المدن الكبيرة الكندية، وخاصة تورونتو ومونتريال، تنتبه الى وجود عرب يعملون في مجالات مختلفة، حالهم حال باقي المهاجرين هناك. وعادة ما تجد كندياً من اصول عربية في فنادق المدن الكبرى، حيث يدخل البعض مجال السياحة الذي دائماً يتطلب موظفين يجيدون لغات عدة. وقال هشام حسيني، وهو لبناني الأصل هاجر الى كندا قبل 15 عاما، إنه «مرتاح» في بلده الجديد حيث يعمل في احد فنادق مدينة مونتريال. وأضاف أن نمط عمله يجعله يلتقي مع زائرين من دول عدة وخلفيات كثيرة، عادة ما تعكس التنوع في مدينة مونتريال. ولكنه تابع: «بعض المشاكل بدأت هنا قبل عامين أو ثلاثة وخاصة في ما يخص الحجاب والمسائل التي تثيرها وسائل الإعلام». وأضاف حسيني: «لم أعان من مشاكل معينة، ولكن اسمع من أصدقائي عن مضايقات عانوا منها اخيراً». ولفت الى أن «بعض الذين يعملون في الشركات الكبيرة يعانون من العنصرية أو يتصورون بأن المشاكل تزداد لأن المنافسة تكون شديدة». وتؤثر مسألة العمل على كل من التقته «الشرق الأوسط» في جولة بين تورونتو ومونتريال وأوتوا، وأثارها حتى من كان مرتاحاً في عمله كمؤشر على المشكلة الاجتماعية التي تواجه المهاجرين. وقال محمد عبد الحق الذي يملك محطة بنزين في منطقة ايجاكس بضواحي تورونتو: «الكل يحلم بالهجرة الى الغرب، ووجود أختي هنا جعل الخيار سهلاً»، لانتقاله من فلسطين الى كندا عام 1983. وأضاف: «أحب كندا كثيراً، ومن بين كل دول العالم، لو وقع علي اختيار بلد للعيش فيه، فلن افضل بلداً على كندا»، لكنه أردف قائلاً: «الجيل الأول دائماً يخسر، فلا يمكن للمرء أن ينسى جذوره ويحن اليها، ولكن أصبحت جزءاً من النظام هنا، ولا أتخيل نفسي أعيش في وطني الأصلي مجدداً». وأضاف: «عدم التأقلم ليس بسبب خطأ من الدولة المضيفة، فليس عيباً عليها أن المهاجر لم يولد هنا ويحن الى ماضيه، ولكن على كل شخص أن يشق طريقه هنا» وعلى الرغم من أن عبد الحق يحمل شهادة ماجستير في الرياضيات والتجارة، الا انه اتجه الى الأعمال الحرة وفتح اول محطة بنزين قبل 11 عاماً. وأوضح عبد الحق: «كنت محظوظاً لأنني أتيت الى كندا بعد انتهائي من الدراسة الثانوية والتحقت مباشرة بالجامعة، مما جعلني أنخرط في العمل هنا»، مضيفاً: «لا انصح أي شخص له مهنة معينة بأن يأتي الى كندا لأن الشركات والنقابات هنا لا تعترف بالشهادات الخارجية». وتابع عبد الحق الذي تعمل معه زوجته في إدارة عمله، انه عين في السابق مهندسين ومحامين في محطات البنزين الثلاث التي يملكها لأنهم لا يستطيعون العمل بشهاداتهم. وأضاف: «إنها حقاً مسألة تثير الغضب والحزن، كثيراً ما اشعر بالخجل من هؤلاء الموظفين وأفضل عدم تعيينهم، ولكنهم في الوقت نفسه يحتاجون الى العمل ويطلبون مساعدتي فلا يترك لي خيار غير تعيينهم».
وعلى الرغم من مشاكل العمل والحنين الى الوطن الأم، ساد جو من الايجابية بين العرب الذين تحدثت اليهم «الشرق الأوسط» حول تجربتهم في كندا. وقال عبد الله الخطيب، وهو من اصل فلسطيني وجاء الى اميركا الشمالية عام 1987: «انني مرتاح في كندا، ولا أتصور أنني استطيع الحياة في العالم العربي بعد الوقت الذي قضيته خارج ذلك العالم» لكنه سرعان ما أضاف: «لا استطع العودة الى فلسطين والا كنت سأعود اليها».
وتوجه الخطيب الى الولايات المتحدة ودرس وعمل فيها حتى انتقاله الى كندا عام 2000 حيث بدأ يعمل في مجال العقارات بعد زواجه من كندية من اصل عراقي. وشرح الخطيب كيف اضطر الى التخلي عن عمله في مجال الكومبيوتر بعد انتقاله الى كندا بسبب وقوع هجمات 11 سبتمبر، قائلاً: «أصبح من المستحيل الحصول على عمل باسم عربي في الشركات الكبرى، فانتقلت من وظيفة الى وظيفة من دون استقرار، حتى قررت الدخول في مجلس العقارات». ولكنه قرر دخول هذا المجال باسم «آل» الأجنبي، مما «سهل» عمله. وعلى الرغم من أن اصدقاءه يعرفونه باسم عبد الله، إلا أن «آل» أصبح اسمه العملي. وأصبحت ظاهرة اتخاذ اسم اجنبي ظاهرة بين الكثير من العرب في الآونة الأخيرة بسبب العنصرية في مجالات العمل. ولفت الخطيب الى أهمية غرس الهوية العربية في أبناء المهاجرين، قائلاً إن «الهوية الأقوى بين الكثير من العرب أصبحت الهوية الإسلامية، مما يعني أن الهوية العربية تعاني هنا»، مضيفاً: «لقد أسقطت الآيديولوجية العربية، مما أثر على هوية العرب حتى في الخارج». وتابع: «ولكن على كل حال غرس الهوية العربية هو مهمة الأهل، وذلك لا يعني العزلة عن البيئة المحيطة بل التناغم بين الهويتين». وبينما يعاني أبناء الجيل الأول من المهاجرين من صعوبات في العمل، يجد الجيل الثاني سهولة أكثر في الاندماج في المجتمع الكندي، وخاصة مع دخولهم النظام الدراسي الكندي وتأقلم الطبيعي مع البيئة التي يترعرعون فيها. وقال حسن أحمد سيف الدين، وهو رئيس اتحاد الطلبة العرب في جامعة «ويسرن اونتاريو» الذي يضم أكثر من مائة طالب من أصول عربية وغير عربية: «لم أشعر يوماً بعنصرية مباشرة ضدي، ولكنها اثرت على حياتي من خلال المجتمع الأوسع وقراءة أنباء عن حوادث عنصرية في الصحافة». ولفت حسن الى أن «هناك مشكلة حقيقية في مجال العمل للكثير من المهاجرين، ألتقي دوماً بسائقي تاكسي كانوا طيارين ومهندسين في وطنهم الأم. حواجز اللغة والتجربة تواجه الجيل الأول من المهاجرين، ولكنها تسقط أمام الجيل الثاني». وحسن الذي جاء الى كندا وعمره سنتان يقول انه يؤمن بـ«هوية كندية – عربية»، مؤكداً «يجب تحسين وتوثيق الهويتين، فلا يمكن لي أن أحمل هوية دون الأخرى». وأضاف حسن الذي يتحدر من عائلة عراقية: «أشعر بالفخر لأنني احمل الهويتين». ولفت الى أن الحديث عن «تصادم الحضارات» خاطئ وعادة ما يعود الخطأ الى طرفي الصراع»، موضحاً: «لا أريد أن يحدد شخص آخر تصرفاتي أو هويتي». ويحاول حسن تجسيد التناغم بين الهويتين من خلال اتحاد الطلبة العرب، قائلاً: «نقيم فعاليات تجذب العرب وغير العرب على حد سواء، هدفنا هو إظهار الثقافة العربية وجعلها معروفة أكثر فأكثر هنا». ولفت الى أن الكثير من أبناء الجالية العربية في كندا «ليبراليون ويحاولون الابتعاد عن المواضيع السياسية المباشرة من اجل تطوير العلاقات، وليصبح التفاهم مفتاحاَ للحلول السياسية». وأضاف حسن الذي يكمل دراسته في كلية الإعلام ويتطلع الى أن يصبح محامياً مستقبلاً: «أؤمن بالاختلاط الاجتماعي والابتعاد عن المشاكل المتعلقة بآثار السياسات التي لم تضعها الشعوب، ولكن ذلك لا يعني التخلي عن القضايا السياسية في العالم العربي، بل يجب التطرق اليها من خلال العلاقات السليمة والايجابية». وعند الحديث مع الكثير من المهاجرين العرب، تظهر بعض النقاط المشتركة، على الرغم من الفوارق في التجارب المعيشية. ويشيرون الى «موجات» المهاجرين العرب الذي سبقوهم، والذين يعود تاريخهم الى القرن التاسع عشر. وبحسب الإحصاءات الكندية، كان أول عربي هاجر الى كندا من لبنان. وبعد وصول ابراهيم أبو نادر الى كندا عام 1882، لحق به 4 آخرين عام 1883، لتفتح أبواب الهجرة الى كندا ويقيم حوالي 300 ألف منهم في كندا في مطلع القرن الحادي والعشرين. ويذكر الكنديون العرب الى أبو نادر وأتباعه لإثبات التاريخ العربي الطويل في كندا وكدلالة على مستقبلهم البعيد المدى في البلاد.
منقول صحيفة الشرق الأوسط
0 التعليقات: