كان البحث عن فرص عملٍ جديدة وحياة أفضل الدافع الأكبر وراء حركات الهجرة في العالم. فالإنسان بطبيعته يفتش دائمًا عن وسائل وسبل العيش الرغد له ولأولاده. ولكن كما قال شاعر العرب الكبير، المتنبي «ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن». فكثير من أحلام الهجرة يتحطم بسبب أمواج الواقع الذي يكون أحيانًا أمر على البعض من الوضع الذي دفعهم أصلاً إلى التفكير بالهجرة وترك مسقط رأسهم. ولكن قبل الدخول بتفاصيل مصاعب الهجرة المستترة هذه، اسمحوا لي بالحديث المُسهب حول الهجرة إلى كندا أو ما يُسميه البعض من الحالمين بـ«الحلم الكندي».
بدأ الناس يهاجرون إلى منطقة كندا الجغرافية منذ آلاف السنين، ولكن بأنماط مختلفة. بعد العام 1947 مر قانون الهجرة المحلي بالعديد من التغييرات الرئيسية، بشكل خاص قانون الهجرة لعام 1976، وقانون الهجرة وحماية اللاجئين الحالي لعام 2002.
يوجد في كندا ثلاثة أنواع من المهاجرين: النوع الأول «العائلي» (أشخاص وثيقو الصلة)، أما الثاني «مهاجرون مستقلون» (جرى قبولهم على أساس المهارات، متطلبات سوق العمالة والرأسمال) ويشمل النوع الثالث اللاجئين لأسباب متعددة.
تُعرف كندا حاليًا بأنها بلدٌ لها سياسة هجرة واسعة انعكست على التنويع العرقي في البلاد. طبقًا للإحصاء السكاني لعام 2001 الذي قامت به «إحصائيات كندا» (Statistics Canada)، هنالك 34 مجموعة عرقية في كندا، تضم كل واحدة على الأقل مائة ألف عضو. من تلك المجموعات هنالك عشرة مجموعات تضم' أكثر من مليون شخص. ينتمي 16.2% من السكان إلى الأقليات المرئية: آسيوي جنوبي (4.0% من السكان)، صينيين (3.9%)، أسود (2.5%)، وفلبيني (1.1%). من الأصل الألماني (10.18%) وإيطالي (4.63%)، مع 3.87% يدعي أنه من أوكرانيا ، 3.87% يدعي أنه هولندي و3.15% يدعي أنه أصلاً من بولندا. تتضمن أصول الأقلية الأخرى العرقية المخفية: روسيا (1.60%)، النرويج (1.38%)، البرتغال (1.32%) والسويد (1.07%).
في عام 2007، استقبلت كندا 236,760 مهاجرا، توزعوا على الشكل التالي: جمهورية الصين الشعبية (28,896)، الهند (28,520)، الفلبين (19,718)، باكستان (9,808)، الولايات المتحدة (8,750)، المملكة المتحدة (7,324)، إيران (7,195)، كوريا الجنوبية (5,909)، كولومبيا (5,382)، وسريلانكا (4,068)، فرنسا (4,026)، والمغرب (4,025). وكان هنالك أكثر من 3500 مهاجر من كل من رومانيا وروسيا والجزائر.
تاريخ الهجرة إلى كندا
بعد الفترة الأولية للاستعمار البريطاني والفرنسي، حدثت أربع موجات رئيسية من الهجرة خلال فترة قرنين تقريبًا. إن الموجة الخامسة من الهجرة مستمرة حاليًا.
حدثت أول هجرة هامة من أناس غير السكان الأصليين إلى كندا قبل قرنين تقريبًا بتأسيس المستوطنة الفرنسية ببطء ولكن بصورة ثابتة في الكويبيك، ومستوطنة Acadia بأعداد أصغر من رجال الأعمال الأمريكان والأوربيين بالإضافة إلى أفراد الجيش البريطاني. تتوجت هذه الموجة بتدفق الموالين البريطانيين هربًا من الثورة الأمريكية، بصورة رئيسية من ولايات الواقعة على الأطلسي.
بدأت الموجة الثانية للهجرة من بريطانيا وإيرلنده بعد حرب عام 1812، تضمنت هذه الموجة أعضاء من الجيش البريطاني النظامي خدموا في تلك الحرب، الذين جرى تشجيعهم على الهجرة مِن قِبَل الحكام الاستعماريين لكندا، الذين كانوا قلقين بشأن محاولة أخرى للاحتلال الأمريكي من جهة، ولمواجهة تأثير اللغة الفرنسية للكويبيك، مما سارع للترويج للاستيطان في المناطق غير الآهلة على طول الطرق الخشبية المبنية حديثًا ضمن مناطق الأرض المنظمة، في الغالب في كندا العليا (أونتاريو المعاصرة).
ازدادت أعداد المهاجرين الآيرلنديين خلال الموجة الثانية للهجرة إلى كندا بسبب ما سُمي حينذاك بمجاعة البطاطا الآيرلندية التي حدثت من 1846 إلى 1849، مما أدى إلى وصول مئات الآلاف إلى شواطئ كندا غالبيتهم من الآيرلنديين، ولو أن جزءا هاما منهم هاجر إلى الولايات المتحدة في العقود اللاحقة. من الـ 100.000 إيرلندي الذين أبحروا إلى كندا في عام 1847، مات واحد من خمسة (20%) من المرض وسوء التغذية، بما في ذلك أكثر من خمسة آلاف في جزيرة Grosse. وكانت معدلات الوفيات 30% على متن سفن الأكفان كما سُميت.
بحلول 1867، وصل أكثر من 80% من المهاجرين إلى كندا بالباخرة. ومع أن أعداد المهاجرين إلى الولايات المتحدة قد فاقت أولئك المهاجرين من الولايات المتحدة الأمريكية إلى كندا، كان هناك هجرة ثابتة من الولايات المتحدة خلال القرنين الماضيين وفترات قصيرة من الهجرة المركزة؛ على سبيل المثال، اللاجئون الأمريكان الموالون لبريطانيا، أثناء فترة السباق للبحث عن الذهب التي شهدت العديد من المنقبين يسكنون كولومبيا البريطانية ويوكون، أمريكان يذهبون إلى البراري في أوائل القرن العشرين وأيضا أثناء فترات الاضطراب السياسي و/ أو أثناء الحروب، مثل حرب فيتنام. هذه الموجات المكثفة للهجرة - التي أتت في الغالب من قارة أوروبا وبلغت الذروة بين 1910-1913 (أكثر من 400.000 في عام 1913) وثانية في سنة 1957 (282.000) - جعلت من كندا بلاد متعددة الثقافات بأعداد كبيرة من السكان غير الناطقين باللغة الإنجليزية أو الفرنسية. كما شهدت كندا فترات من الهجرة المتدنية أيضًا، خصوصًا أثناء الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى فترة الكساد الكبير.
«تعال لتبقى»، طُبع هذا الشعار في عام 1880 في The Canadian Illustrated News، الذي يشير إلى الهجرة إلى الـ (1)Dominion.
منذ أن أُزيلت القيود على الهجرة لغير العرق الأبيض، في سبعينيات القرن الماضي، بدأت الهجرة بشكل كبير تشمل الأقليات المرئية من العالم النامي. وقد حدث ذلك عندما كان Lester B. Pearson يحكم كرئيس للوزراء بقانون الهجرة المُعدل في سنة 19677، وقد استمر العمل بهذا القانون كسياسة حكومية رسمية تحت حكم وريثه، Pierre Trudeau. أثناء حكومة Mulroney، ازدادت مستويات الهجرة في أواخر الثمانينيات لتصل إلى (225,000-275,000 سنويًا). حاليًا، يأتي أكثر المهاجرين من جنوب آسيا والصين ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه.
قبل عام 1885، فُرضت قيود على الهجرة في الغالب ردا على الموجات الكبيرة من الهجرة التي لم تكن نتيجة قرارات سياسة مخطط لها بعناية، لكن هذه القيود لم تكن موجهة ضد مجموعة واحدة بشكل محدد أو انتماء عرقي، على الأقل كسياسة رسمية. ثم جاءت مقدمة التشريع الضريبي على كل فرد صيني التي أُقرت في عام 1885، وقد كان هذا التشريع ردا على الأعداد المتزايدة من العمال الصينيين في سكة حديد المحيط الهادي الكندية. زيادات لاحقة أُضيفت على ضريبة الرأس في 1900 و1903 لتحد من أعداد الصينيين الواصلين إلى كندا. في عام 1923 أقرت الحكومة قانون الهجرة الصيني الذي منع الصينيين من دخول كندا بأعداد كبيرة بين 1923 و1947. ولكن وفي 22 يونيو / حزيران 2006، اعتذرت الحكومة الكندية عن سياسة التمييز العنصري ضد المهاجرين الصينيين في الفترات الماضية، كما دفعت الحكومة بعض التعويضات.
خُلقت المواطنية الكندية أصلا بقانون الهجرة، لعام 1910، لتسمية أولئك الرعايا البريطانيين الذين سكنوا في كندا. وقد طُلِب من كلالرعايا البريطانيين الآخرين تأشيرة دخول. في عام 1921، تم استحداث وضعية جديدة منفصلة دُعيت «المواطن الكندي» بفعل قانون المواطنين الكنديين، الذي اعترف بكل من زوجات، وأطفال البريطانيين الكنديين كمواطنين كنديين حتى قبلما أن تطأ أقدامهم الأرض الكندية. بعد مرور قانون Westminster في عام 19311، لم تعد الملكية البريطانية مؤسسة بريطانية حصرية. بسبب هذا القانون، أصبح المواطنون الكنديون، وآخرون يعيشون في البلدان التي أصبحت معروفة بممالك الكومنولث، رعايا التاج البريطاني. على أية حال في الوثائق القانونية، مازل التعبير «مواطن بريطاني» مستعملاً إلى الآن.
كانت كندا الدولة الأولى في الكومنولث البريطاني التي أسست قانون جنسيتها الخاص في عام 1946، بتشريع قانون المواطنة الكندية 1946. بدأ العمل بهذا القانون ابتداءً من الأول من شهر يناير/ كانون الثاني 1947. لكي يحصل المرء على الجنسية الكندية كان لزامًا عليه أن يكون مواطنا بريطانيا في ذلك التاريخ، هندي أو من الأسكيمو، أو كان قد أُدخل إلى كندا كمهاجر قبل ذلك التأريخ. إن العبارة «مواطن بريطاني»، تُشير عمومًا إلى أي إنسان من المملكة المتحدة، مستعمراتها في ذلك الوقت، أو من الكومنولث. الحصول على وخسارة المواطنية البريطانية قبل 1947 كان يقرره القانون البريطاني.
في 15 فبراير/ شباط من عام1977، أزالت كندا القيود على المواطنة الثنائية. وقد أُبطِل العديد من البنود للحصول على أو فقد الجنسية الكندية التي وُجدت تحت تشريع عام 1946. لم يعد المواطنون الكنديون عمومًا خاضعين للخسارة التلقائية للمواطنية.
نسبة الهجرة
هاجر إلى كندا 250640 شخصا في عام 2001. استنادًا إلى الإحصاء السكاني لعام 2001 البالغ 30,007,094 شخص، مثلت الهجرة 0.834% من النمو السكاني لتلك السنة. على قاعدة مركبة، تُمثل نسبة الهجرة تلك 8.7% من النمو السكاني على مدى 10 سنوات، أو 23.1% على مدى 25 سنة (مما يعني 6.9 مليون شخص). منذ سنة 2001، تراوحت الهجرة بين 221,352 و262,236 مهاجرا سنويًا. طبقًا لبرنامج الهجرة الكندي (أكتوبر/ تشرين الأول 2004) كان لكندا النسبة الأعلى للهجرة في العالم، لو أنالإحصائيات في كتاب حقائق وكالة المخابرات المركزية الـ CIA في العالم تبرز أن عددًا من المدن في البلدان ودول الجزر الصغيرة، بالإضافة إلى بعض البلدان الأكبر في المناطق التي تشهد تحركات لللاجئين، لها نسبة أعلى في الهجرة. إن الأسباب الرسمية الثلاث للمستوى العالي للهجرة في كندا هي:
- المكون الاجتماعي: تسهل كندا إعادة توحيد شمل العائلات. تحت قانون الهجرة وحماية اللاجئين والتعليمات المرتبطة، يُسمح للمواطن الكندي أو المقيم الدائم في كندا بعمر 18 سنة وما فوق (خاضع لبعض الشروط)، بتبني أو يكون راعيا لأعضاء معينين من عائلته المباشرة للمجيء إلى كندا بصفة مقيم دائم. إنالأشخاص المؤهلين هم: الزوج أو الزوجة، آباء وأجداد، طفل تابع من المتبني، طفل ينوي الراعي تبنيه المتبني، إخوة يتامى، أخوات، بنات أخت، أو أحفاد تحت عمر الـ 18 والذين لم يتزوجوا. كاستثناء للقواعد، إذا لم يكن هناك أشخاص مؤهلون من القائمة السابقة، وليس للمتبني أقرباء في كندا، قد يتأهل آخر فرد من العائلة الباقي ' للتبني، لكن طلبات من هذا النوع هي نادرة.
- المكون الإنساني: يتعلق باللاجئين.
- المكون الإقتصادي: يَجذُب المهاجرين الذين سيساهمون اقتصاديًا ويملؤون حاجات سوق للعمالة.
بلغ مستوى الهجرة الذروة في عام 1993 في السنة الأخيرة لحكومة المحافظين التقدمية وقد أبقى عليه الحزب الليبرالي الكندي بعد أن استلم السلطة. لكن القيود الاقتصادية أعاقت الوصول إلى الأهداف الطموحة التي تمثلت بنسبة واحد بالمائة من نسبة السكان. تعهد الحزب الليبرالي الكندي برفع مستويات الهجرة الفعلية أكثر في عام 2005. مع أن حزب المحافظين عاد إلى السلطة في عام 2005 إلا أن كلالأحزاب السياسية حذرة الآن حول انتقاد المستوى العالي للهجرة.
يتركز النمو السكاني للمهاجرين في أو قرب المدن الكبيرة (بشكل خاص فانكوفر، تورنتو، ومونتريال). تواجه هذه المدن مطالب الخدمات المتزايدة التي ترافق نمو السكان القوي، مما يسبب قلقًا حول قابلية البنية التحتية في تلك المدن لاستيعاب هذا التدفق. على سبيل المثال، كتب Daniel Stoffman مقالة في ال Toronto Star، في 14 يوليو/ تموز 2006، لاحظ أن43 % من المهاجرين ينتقلون للعيش في منطقة تورنتو الكبرى (Greater Toronto) وقال: «مالم تقلل كندا أعداد المهاجرين، لن تكون مدننا الرئيسية قادرة على صيانة بناها التحتية الاجتماعية والطبيعية». تتفاوت الآراء حول كيفية معالجة النقص في التمويل، فهنالك من لا يؤمنون بأن تخفيض أعداد المهاجرين هو الحل. أغلب المحافظات التي لا تشكل مدنها الكبرى مقصدًا للمهاجرين، طبقت استراتيجيات معينة في محاولة لرفع حصتهم من المهاجرين.
عملًا بقانون المواطنة والهجرة الكندي، تحت اتفاقية كندا-كويبيك، تتمتع الكويبيك وحدها باختيار الأكثر من المهاجرين القادمين إلى المحافظة. تستقبل الكويبيك تقريبًا نفس عدد المهاجرين الذين يختارون الهجرة إلى British Columbia بالرغم من أن سكان محافظة الكوبيك تقريبًا أكبر مرتين من سكان محافظة British Columbia.
أنواع الهجرة
هناك ثلاث أنواع هجرة رئيسية:
- المهاجرون لأسباب اقتصادية: تستعمل «المواطنة والهجرة إلى كندا» عدة أنواع ثانوية من المهاجرين لأسباب اقتصادية. تُشكل مجموعة مقدمي طلبات الهجرة بصفة «العامل الماهر» (SkilledWorker) نسبة 19.8% من كلالمهاجرين في سنة 2005.
- النوع العائلي: تحت برنامج حكومي، بإمكان المواطنين والمقيمين الدائمين تبني أو رعاية أفراد العائلة للهجرة إلى كندا.
- اللاجئون: هجرة اللاجئين وأولئك الذين هم في حاجة للحماية من أخطار تهدد حياتهم وتتراوح هذه الأخطار من الاضطهاد الديني، السياسي، وغيرها.
حسب قانون الجنسية الكندي بإمكان المهاجر تقديم طلب للحصول على المواطنة الكندية بعد العيش في كندا لمدة 1095 يوما (3 سنوات) في أي فترة من خمس سنوات.
الهجرة غير الشرعية في كندا
ليس هناك معلومات موثوق بها متوفرة عن الهجرة غير الشرعية في كندا. تتراوح التخمينات بين 35,000 و120,000 مهاجر غير شرعي في كندا. اقترح James Bissett، رئيس سابق لخدمة الهجرة الكندية، أن الافتقار إلى عملية موثوق بها لمسح عدد اللاجئين، مع وجود إمكانية عالية بإهمال أي أوامر ترحيل، أدى إلى تعليق عشرات الآلاف من التفويضات لتوقيف اللاجئين الذين تمرفضهم، بالرغم من وجود محاولات خجولة في تنفيذ أوامر المحكمة بالترحيل. على خلاف الولايات المتحدة الأمريكية، لا يُطلب من مُقدم طلب اللجوء إلى كندا مغادرة الأراضي الكندية قبل بت المحكمة بقضيته. صرحت المدققة العامة Sheila Fraser td تقرير نُشر في سنة 20088 بأن كندا قد فقدت أثر 41,0000 مهاجر غير شرعي.
بالعودة إلى ما أشرت إليه بـ«الحلم الكندي» في بداية هذا المقال، وحرصًا مني كمهاجرٍ على الصدق والشفافية، اسمحوا لي بتناول إيجابيات وسلبيات الهجرة إلى كندا.
في إيجابيات الهجرة إلى كندا
تُعتبر كندا واحدة من أهم دُول العالم في اعتبار وتقدير حقوق الإنسان. ويأخذ المشرعون الكنديون بعين الاعتبار فئات المجتمع الأكثر عُرضة لانتهاك حقوقها في سن القوانين التي تحمي وتدافع عن هذه الفئات. يعتبر المشرع الكندي أن الأطفال من عمر يوم إلى ثمانية عشر سنة، والمسنين هم من تلك الفئات، لذا يقوم بتوفير الراحة والأمان لهم بسنه عددًا كبيرًا من القوانين الصارمة لحمايتهم. يتمتع المهاجر القانوني بكل حقوق المواطن الكندي (باستثناء حق التصويت في الانتخابات وجواز السفر الكندي) ما أن تطأ قدمه الأرض الكندية وتقديم أورق الهجرة إلى السلطات في المرافئ الحكومية (الجوية، البحرية، والبرية). كما يحصل على بطاقة الإقامة الدائمة التي تُرسل إليه في البريد بعد ثلاثين يومًا على الأكثر. كما يحصل (بعد ثلاثة أشهر من وصوله) على البطاقة الصحية التي تخوله الذهاب إلى عيادة الطبيب أو من دخول المستشفى دون أن يدفع سنتًا واحدًا من جيبه. مع أن قانون الهجرة الكندي يشترط على المهاجر أن يكون معه مبلغ من المال يتراوح بين الثمانية آلاف وستة عشر ألف دولار كندي ( يُحدد المبلغ وفقًا لحجم عائلة المهاجر المرافقة له) إلا أن بإمكانه (أي المهاجر) طلب مساعدة مالية شهرية مالية إذا ما أنفق المبلغ الذي بحوزته قبل مرور السنة. بشكلٍ عام، يُصنف المواطن الكندي بأنه ودود ومنفتح على الحضارات والثقافات المختلفة، مما يشكل نوعًا من الراحة النفسية للمهاجر الجديد على التأقلم مع محيطه الجديد. كما أقامت الحكومات المحلية الكندية في كل محافظاتها عددًا كبيرًا من البرامج المجانية لمساعدة القادمين الجدد (New Comers) على الاندماج في المجتمع الكندي. تتراوح هذه البرامج بين تعليم اللغة الانجليزية والفرنسية، المساعدة في تحضير السيرة الذاتية للذين يفتشون عن وظائف ومساعدتهم بتعليمهم الأساليب الكندية للبحث عن الوظائف وكيفية إقناع المُستخدم الكندي بتوظيفهم. هذا بالإضافة على المدارس المجانية للأولاد من الحضانة إلى الثانوية العامة مع خدمة الباص المدرسي حتى صف السنة السادسة.
قد يعوزني المجال للحديث عن كل الإيجابيات التي تتمتع بها كمهاجر أو مواطن كندي ولكن هذا لا ينفي وجود العديد من السلبيات أيضًا.
في سلبيات الهجرة إلى كندا:
واحدة من أهم الأمور السلبية التي يصطدم بها المهاجرون الجدد هي صعوبة إيجاد فرص عمل في مجال اختصاصهم. فعلى الرغم من قبول طلباتهم للهجرة على أساس مهاراتهم والشهادات الجامعية التي يحملونها، يصطدم كل المهاجرين بلا استثناء بمطلبٍ لم يحسبوا له حسابا ولا خطر لهم على بال. هذا المطلب هو «الخبرة الكندية». معظم أرباب العمل الكنديين حتى الذين كانوا فيما مضى مهاجرين هم أنفسهم، يُصرون على امتلاكك الخبرة الكندية. أما الوظائف التي تتطلب العضوية في نقابة فتلك حكاية أخرى وطريق أخرى من العذاب على المهاجر الجديد أن يمشيها إذا ما أصر على العمل في مجال اختصاصه. لنأخذ على سبيل المثال حالة مهندس استطاع معادلة شهادته الجامعية طبقًا للمعايير والمواصفات الكندية، ويملك أكثر من عشر سنوات من الخبرة في بلده الأم. لكي يتمكن من مزاولة عمله كمهندس عليه أن يكون عضوا في نقابة المهندسين في المحافظة التي يبغي مزاولة المهنة فيها. ولكي يُقبل في النقابة عليه المرور بعدد كبير من الامتحانات والمقابلات بالإضافة إلى شهادة من شركة للهندسة مجاز لها تثبِت بأنه عمل بصفته مهندسا تحت التمرين لفترة سنة على الأقل (لكن الدوامة التي يقع فيها هذا المهندس المهاجر هي أنه لن يجد رب عمل يقبل أن يوظفه بصفة مهندس دون الخبرة الكندية، ومن أين له أن يحصل على الخبرة الكندية إن لم يعمل في شركة للهندسة؟ فيقع في حيرة من أمره تُشبه الحيرة التي يقع فيها من يريد الإجابة عن السؤال: من وُجِدَ أولاً، الدجاجة أم البيضة؟). والأمر أكثر تعقيدًا وميلاً إلى السوداوية عندما يتعلق الأمر بنقابة الأطباء والمحامين. فالنقابتان لا تعترفان بكل ما يُسمى شهادات جامعية أو خبرة غير كندية. فيلتقي عدد كبير من المهندسين السيئي الحظ والأطباء والمحامين التعساء إذ يعملون كزملاء في مهنهم الجديدة التي فرض عليهم واقع الخبرة الكندية مزاولتها والتي تتراوح بين سائق سيارة أجرة، عامل مطعم، وغيرها من الوظائف التي لم يحلموا بها يومًا.
من السلبيات الأخرى التي قد تواجه المهاجرين الجدد هي التمييز العنصري المقنع. صحيح أن القانون الكندي يُدين ويمنع التمييز العنصري، إلا أنك تجده أينما ذهبت في طول البلاد وعرضها، مع فارق بسيط وهو أنه مستتر. لا تجد رب عمل واحد يرفض توظيفك لأنك من خلفية حضارية وثقافية مختلفة (لأن القانون يدين ممارسي التمييز العنصري) ويكون السبب الذي يُعطيك إياه بكثير من الاحترام هو بأنك لا تملك الخبرة الكافية للحصول على مثل هذه الوظيفة.
في النهاية أخلص بالقول بأن غاية هذا المقال عرض الصورة الكاملة حول موضوع الهجرة إلى كندا، بإيجابياتها وسلبياتها، وذلك من مُنطلق حق المعرفة لكل إنسان. فعندما تطلب من إنسان ما أن يتخذ قرارا مصيريًا، من حقه معرفة كل الخيارات الموضوعة أمامه، بُغية اتخاذ القرار الذي يراه مناسبًا على ضوء المعلومات المتوفرة له.