تاريخ كندا .....الجزء الثاني
من الهيمنة الفرنسية إلى الإنكليزية
نص المرسوم الملكي البريطاني للعام 1763 على فصل إقليم "كيبك" عن فرنسا الجديدة (الأملاك الفرنسية السابقة جنوب البحيرات)، وضم جزيرة "كاب بريتون" إلى "نوفاسكوشا". كما أنه فرض القيود على استخدم اللغة الفرنسية وعلى الحقوق الدينية للفرنسيين الكاثوليك. وفي العام 1769، أصبحت جزيرة "سانت جون" (وتُعرف حالياً باسم جزيرة الأمير إدوارد) مستعمرة منفصلة.
ولتهدئة النزاع مع كيبك، جاء قانون كيبك للعام 1774 ليوسع حدود الإقليم فيشمل البحيرات العظمى ووادي أوهايو، كما أنه رفع القيود عن استخدام اللغة الفرنسية، وضمن حرية ممارسة العقيدة الكاثوليكية، وتطبيق القوانين المدنية الفرنسية فيها. وأثار ذلك القانون نقمة العديد من سكان المستعمرات الثلاثة عشر، وكانت من بين الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة الأمريكية ضد الهيمنة البريطانية. وقد أعترفت بريطانيا في معاهدة باريس (1783) باستقلال مستعمراتها الأمريكية الثائرة، وتخلت لها عن الأراضي الواقعة جنوب البحيرات العظمى.
وكنتيجة للثورة الأمريكية وحرب الاستقلال التي أعقبتها، قام نحو 50,000 من الأمريكيين المحافظين المواليين للإمبراطورية المتحدة والمناهضين للثورة والاستقلال، باللجوء إلى كندا. وفي إطار الترتيبات الإدارية لاستيعاب هؤلاء اللاجئين الأوفياء لإنكلترا، وتوطينهم في كندا، تم فصل "نيوبرانزويك" عن "نوفاسكوشا" في الوجه البحري. ولحل التناقض اللغوي بينهم وبين سكان كيبيك الناطقين بالفرنسية، صدر القانون الدستوري للعام 1791 ليتم بموجبه تقسيم "كيبك" إلى كندا السفلى ولغتها الرسمية الفرنسية، وكندا العليا ولغتها الرسمية الإنجليزية، مع ضمان حقوق سكان المنطقتين في انتخاب الهيئات التشريعية الخاصة بكل منهما.
واصبحت كندا (العليا والسفلى) الجبهة الرئيسية لحرب العام 1812 بين الولايات المتحدة الأمريكية والإمبراطورية البريطانية. وأعقب تلك الحرب، تدفق هجرات كبيرة من بريطانيا وأيرلندا باتجاه كندا بدءاً من العام 1815. وقد أحصت سلطات المرافئ الكندية نزول 626,628 مهاجراً أوروبياً ما بين العامين 1825 و1846. ومن بين المهاجرين الأوروبيين الذي وصلوا كندا قبل العام 1891، قضى نحو ربعهم أو ثلثهم نحبه نتيجة الأوبئة. ومع مطلع القرن التاسع عشر، بلغ تطور صناعة الأخشاب حداً جعلها تتجاوز من حيث قيمتها الاقتصادية تجارة الفراء.
تحولات نحو الديمقراطية والاستقلال
قاد تطلع الكنديين إلى حكومة منتخبة تكون مسؤولة أمامهم وأمام ممثليهم، إلى قيام ثورات العام 1837 والتي تم إخمادها في نهاية المطاف. وتلا ذلك إصدار تقرير "دورهام" الذي أوصى بحكومة مسؤولة وباستيعاب الكنديين الفرنسيين في الثقافة الإنكليزية. ومع إصدار قانون الاتحاد في العام 1840، تم دمج شطري كندا تحت اسم مقاطعة كندا المتحدة. وبحلول العام 1849، كان ثمة حكومة مسؤولة لسائر المقاطعات التابعة للإمبراطورية البريطانية في أمريكا الشمالية. وأدى توقيع معاهدة "أوريجون" 1846، بين بريطانيا والولايات المتحدة، إلى إنهاء نزاع أوريجون الحدودي. وتوسيع الحدود غرباً على طول خط العرض 49، ممهدةً الطريق لإنشاء مستعمرات بريطانية في جزيرة "فانكوفر" (1849)، و"كولومبيا البريطانية" (1858). وأرسلت كندا العديد من البعثات الاستكشافية نحو أرض روبيرتس Rupert's Land (التي تشمل مناطق شاسعة وسط كندا وخليج هدسون ومحيطه) والمناطق القطبية الشمالية، لبسط سيادتها عليها. وفي هذه الفترة شهدت البلاد زيادة كبيرة في عدد السكان نتيجة لارتفاع معدلات المواليد. وكانت الهجرات الوافدة من بريطانيا تعوض حركة النزوح إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة هجرة الكنديين الفرنسيين الساخطين على تراجع نفوذهم وثقافتهم باتجاه "نيو إنجلاند".
في الأول من تموز/يوليو من العام 1867، وبعد سلسلة من المؤتمرات الدستورية، أُعلِن قانون الدستور الكندي الذي يعتبر الوثيقة التأسيسية لكندا ككيان اتحادي كونفدرالي في إطار الكومنويلث البريطاني. وضمت الكونفدرالية الكندية وقتها أربع مقاطعات هي: "أونتاريو"، و"كيبك"، و"نوفاسكوشا"، و"نيوبرانزويك". ثم ما لبثت أن وسعت سيطرتها على "روبرتزلاند" وعلى المناطق الشمالية الغربية، بعد إخماد ثورة النهر الأحمر التي قام بها "المايتيز" Métis (كنديون مُهجنون من السكان الأصليين والأوروبيين وخاصة الفرنسيين). وإنشاء مقاطعة "مانيتوبا" في العام 1870. وفي وقت لاحق، انضمت كل من "كولومبيا البريطانية"، وجزيرة "فانكوفر" (اللتان اتحدتا في العام 1866)، و"جزيرة الأمير إدوارد" إلى الاتحاد الكونفيدرالي في العامين 1871 و1873 على التوالي.
واتبعت حكومة جون ماكدونالد المحافظة سياسة الحماية الجمركية لدعم الصناعات الكندية الناشئة. وفي محاولاتها لتعمير المناطق الغربية من كندا، مولت الحكومة مشاريع لتشييد ثلاثة خطوط للسكك الحديدية العابرة للقارة (أهمها الخط الحديدي الباسيفيكي). كما فتحت الحكومة أقاليم البراري أمام الاستيطان، وقامت بتأسيس شرطة الخيالة الملكية الكندية RCMP لضمان سيطرتها على الأقاليم التابعة لها هناك وضبط الحدود الجنوبية. وفي العام 1898، ومع تصاعد "حمى الذهب" في حوض نهر كلوندايك والتي عُرفت بـ"Klondike Gold Rush" في المناطق الشمالية الغربية، قامت الحكومة الكندية بإنشاء إقليم "يوكون". وفي عهد رئيس الوزراء الليبرالي "ويلفريد لورييه"، استقر المهاجرون الوافدون من أوروبا في مناطق "البراري"، وفيما بعد أُعلنت كل من "ألبرتا" و"ساسكاتشوان" كمقاطعتين مستقلتين في العام 1905.
كندا بين الحربين العالميتين
ما أن اندلعت الحرب العالمية الأولى في العام 1914 في أوروبا البعيدة، حتى وجدت كندا نفسها في أتونها فجأة بلا خيار. فمع إعلان بريطانيا نفسها طرفاً في الحرب، ترتب على كندا إرسال الجنود المتطوعين إلى الجبهة الغربية لتصبح فيما بعد جزءاً القوات الكندية Canadian Corps. وقد أدت هذه القوات دوراً هاماً في معركة "فيمي ريدج" وغيرها من المعارك الرئيسية في الحرب. ونشأت أزمة التجنيد الإلزامي في العام 1917 عندما قام رئيس الوزراء "روبرت بوردين" من حزب المحافظين، بإجبار سكان "كيبك" الناطقين بالفرنسية على التطوع في الخدمة العسكرية. وفي العام 1919، أصبحت كندا عضواً في عصبة الأمم كدولة مستقلة بعيداً عن التبعية لبريطانيا. وفي العام 1931، صدر تشريع "ويستمنستر" Statute of Westminster والذي أكد على استقلال كندا.
وفي الثلاثينات من القرن العشرين ضرب "الكساد العظيم" الاقتصاد الكندي بشدة على امتداد البلاد، وتسبب في الكثير من المصاعب والآلام خاصة للطبقات الفقيرة. ورداً على ذلك، قام حزب اتحاد الكومونويلث التعاوني CCF ذي التوجهات اليسارية في "ألبرتا" و"ساسكاتشوان"، باتخاذ العديد من الإجراءات على طريق دولة الرفاه خلال الأربعينات والخمسينات بقيادة "تومي دوجلاس" الذي أصبح في العام 1944 رئيس أول حكومة اشتراكية في أمريكا الشمالية (حكومة ساسكاتشوان).
وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من استقلالها عن بريطانيا هذه المرة، أعلنت كندا الحرب على ألمانيا بعد ثلاثة أيام فقط من إعلانها من قبل بريطانيا. وكان ذلك في عهد رئيس الحكومة الليبرالي "ويليام ليون ماكنزي كينج". ووصلت أولى الوحدات العسكرية الكندية إلى بريطانيا في كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته 1939. وشاركت القوات الكندية بشكل فعال في غزوة الحلفاء الفاشلة في "دييب" (شمال غرب فرنسا) العام 1942، وفي غزو إيطاليا، وفي
إنزال الحلفاء في النورماندي في اليوم-دي D-Day Landings، وما تبعها من معارك النورماندي صيف العام 1944، وفي معركة سكيلدت Scheldt على الحدود ما بين بلجيكا وهولندا خريف العام ذاته. ولايزال الهولنديون يتذكرون بالكثير من العرفان توفير كندا الملجأ والحماية للعائلة الملكية الهولندية خلال الاحتلال الألماني لبلادهم، وتضحيات القوات الكندية لتحريرها من ذلك الاحتلال.
وأدى المجهود الحربي لكندا إلى انتعاش كبير لاقتصادها نتيجة ازدياد الطلب على صناعاتها العسكرية لسد احتياجات قواتها المسلحة وقوات حلفائها في بريطانيا والصين والاتحاد السوفيتي من المعدات الحربية. وعلى الرغم من نشوب أزمة تجنيد أخرى في "كيبك"، فإن كندا خرجت من الحرب وبحوزتها أحد أكبر الجيوش في العالم. وفي العام 1945، وقبل أن تضع الحرب أوزارها، أصبحت كندا أحد الأعضاء المؤسسين لهيئة الأمم المتحدة.
0 التعليقات: