هل يجوز ضرب الأطفال في كندا؟
لاشك أنَّ ضرب الطفل وتنشئته بطريقة تؤدي به إلى الفهم والإنصياع عن طريق العنف، هي طريقة سيئة وفاشلة بكل ما تحمل كلمة الفشل من معنى، وضرب الطفل بالطريقة المتعارف عليها في الشرق غالباً ما تؤدي إلى تأخُّر تنمية مهاراته الشخصية والذهنية. لكن السؤال المهم .. هل ضرب الطفل عموماً وفي مواقف معينة ضمن منهجية تربوية يُساعد في تهذيبه ورفع حس الإنضباط لديه؟ سؤال مهم، قد تختلف الإجابة عليه من ثقافة إلى أخرى.
لا يخفى على الجميع أنَّ جُل المهاجرين العرب الذين يأتون إلى كندا – بما فيهم أنا – يعلمون مُسبقاً أنَّ ضرب الأطفال فيها ممنوع، وكلما قرصت أم أذن طفلها في مكان عام .. أخذت تتلفت يمنة ويسرة خشية أن يراها أحد الكنديين الأقحاح، فيُبلِّغ عنها الشرطة التي ستقوم بسلب طفلها منها إلى الأبد!
عندما هاجرت إلى كندا، كانت هذه أول القضايا التي بحثت فيها لأتفاجأ بعدها أنَّ الحقيقة خلاف ذلك تماماً، وقمت منذ أيام بمشاركة الفيديو التالي بعنوان (إنه للطفل إنضباط وتأديب .. وليس إعتداء وتعذيب!)، والذي يظهر فيه طفل إتصل برجال الشرطة في أمريكا عندما ضربته والدته على مؤخرته بسبب تغيُّبه عن المدرسة وكذبه، ليقوم الشرطي بتوبَّيخ الطفل، وإنذاره أنه سيقوم هو بضربه إن عاود الكرَّة وأبلغ عن والدته!
بعدها إنهالت الأسئلة حول حقيقة هذا الفيديو الدعائي، وهل فعلاً الضرب التأديبي ليس ممنوعاً في أمريكا الشمالية عموماً وكندا خصوصاً؟ وكنوع من التوعية للجالية الكريمة قمت بتسجيل الكلمة التالية لأبيِّن أنَّ الضرب في كندا ليس ممنوعاً كما هو شائع بين العامة.
تنص المادة ٤٣ – تصحيح الطفل بالقوة: المُعلِّم أو الوالِدَين أو أي شخص ينوب عن الوالِدَين في الرعاية، له ما يُبرِّره في إستخدام القوة لتصحيح التلميذ أو الطفل الذي هو تحت رعايته كما يكون الحال، بحيث لا تتجاوز القوة حد المعقول في ظل الظرف أو الموقف.
عندما قمت بنشر هذه المعلمومة، إنقسمت آراء المتابعين بين مُرحِّب ومُعارض، فهناك مَن وجد الضرب وسيلة من الوسائل التي تُعين على التربية خصوصاً في الغرب وما يحمل في طيَّاته من تحديات كبيرة جداً في مجال التربية، وهناك من شجب وأعرب عن إمتعاضه إزَّاء هذا القانون الذي يجهله الغالبية، فعلى ما يبدو أنَّ الصنف الثاني لم يتوقعوا على الإطلاق أن تحوي كندا المُتحضِّرة في تشريعاتها مثل هذا القانون .. فأصابهم الإحباط (حتى أنت يا بروتوس!).
في إعتقادي أنَّ الذين إعترضوا على الضرب .. إما أنَّ لديهم ماضٍ مرير معه، أو أنهم ليس لديهم أطفال، أو أنهم غير مقيمين في كندا أو دولة غربية، أو أنَّ أطفالهم مازالوا صغاراً جداً.
طبعاً لم يخلو المشهد أيضاً من أولئك الذين لا يتوانون عن إهانة أنفسهم وذاتهم العربية ولصق كل رذيلة بها، فجعلوا الضرب من شيم التخلف التي نقلها العرب إلى كندا بشكل قانوني! وهؤلاء السفهاء كُثر في كندا مع الأسف الشديد.
لكن أطرف المداخلات كانت تلك التي ألقت باللوم عليَّ لأني قمت بتوعية الجالية بذلك القانون .. فحسب إعتقادهم أنَّ ذلك سيكون بداية شرارة عنف الآباء والأمهات الذين تخرجوا من جامعة قريش ليفتكوا بأطفالهم، وذكَّروني بالثقافة البائدة التي تفترض سوء نية الأنثى وتوقع فجورها بمجرد نيلها لحريتها، فمنعوا عنها ما هو حلال خشية أن تُصيبها الفتنة وتُهلك نفسها بالحرام .. قمة الإستخفاف بالعقول خارج نطاق ما هو معقول!
ما علينا .. بناءاً على ما تقدَّم، أحببت أن أكتب هذا المقال لأبيِّن لكم ما غاب عنكم في تفاصيل المشهد الكندي:
- بما أنَّ هذا القانون (المتخلف) و (البربري) موجود بالفعل في القانون الكندي كما ذكرت آنفاً، فهذا يعني أنه ليس جديداً عليهم ولا على مجتمعات العالم الأول الراقية، وأنه موجود منذ الأزل والعرب بريؤون منه كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السلام.
- في كندا يتم إخضاع القوانين لنقاشات طويلة ومُضنية قبل أن يتم إعتمادها رسمياً، والأهم أنها تكون مُعتمدة على دراسات وأبحاث علمية قبل أن تُصبح تشريعاً قابلاً للتطبيق، وبما أنَّ القانون أجاز ضرب الطفل .. فهذا يعني أنه وسيلة من وسائل التربية التي دعمها الباحثون، وأنا شخصياً أثق في النظام الكندي.
- الذين تعوَّدوا على ضرب أطفالهم في كندا .. لن ينتظروا «حسين يونس» ليخبرهم بجواز ذلك! فهم يمارسونه بالفعل .. ولكن في الخفاء وبشكل لا يُخالف القانون العام .. تماماً كما تقومون به الآن
أنا أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يتم فهم معنى الضرب في كندا بالمفهوم الغربي .. وليس العربي! فالضرب عندهم لا يتعدى مناطق المؤخرة أو اليدين أو قرص الأذن وبشكل غير مُبرِّح بهدف التربية، دون اللجوء إلى أدوات حادة كما جرت العادة عند بعض الثقافات الشرقية، فمشكلة بعض العرب أنهم يُمارسون الضرب مباشرة وبشكل إنتقامي وعنيف .. ولا يمكن لأحد أن يُنكر تلك الحقيقة المؤلمة، ولكن الضرب في المفهوم الغربي لا يتعدى أن يكون وسيلة للسيطرة على الطفل، ودائماً ما يأتي كآخر الحلول وليس أولها.
من دون مثاليات ومُجاملات كاذبة .. أود أن أسأل أولئك الذين لا يلجؤون للضرب على الإطلاق في التربية كما يدَّعون .. هل أنتم فعلاً راضون عن تربية أولادكم؟ هل أنتم راضون عن أخلاقهم؟ هل لديكم السيطرة اللازمة عليهم إذا لزم الأمر؟ كم مرة وضعوكم في مواقف لا تُحسدون عليها لأنكم فاقدي السيطرة عليهم؟
في كندا ستحتاج للسيطرة على طفلك، فإن إستطعت ذلك من دون اللجوء إلى الضرب .. فهذا خير وبركة وهنيئاً لك، ولكن إن إضطررت إلى ذلك .. فالقانون في صفِّك ولا تَلُم كندا إن خسرت أطفالك أو إحترامهم، فهي سمحت لك بالسيطرة عليهم، وكلٌ أدرى بوضعه وحاله.
عندما قمت بذكر القانون، كان الهدف توعية الجالية بحقوقهم في كندا كآباء وأمهات حتى يكونوا على بيِّنة من أمرهم، فأكثر المواقف التي تضايقني هي تلك التي يتم فيها إرعاب الجالية في الأماكن العامة عندما يتقدم إليهم أقرانهم الكنديون ليستفهموا عن سبب توبيخ الطفل، وغالباً ما يكون موقف الأهل خالياً من أي عنف، ولكن الهيئة العربية في الأماكن العامة تجعل من أي كندي (عنصري) لا تعجبه تلك الهيئة يتقدم بكل جرأة للتدخل في الموقف الطبيعي تماماً، والذي يحدث للأم أو الأب العربي في تلك اللحظة هو الرعب بكل ما تعني كلمة الرعب من معنى، فيتجمد الدم في عروقهم بسبب جهلهم بالقانون، ويتحول إلى كائن ضعيف لا يقوى على الرد وإدارة الموقف بشكل مُشرِّف، وهذا لا ينبغي على الإطلاق، والجالية يجب أن تكون واعية وقادرة على الرد ومنع أي تدخل غير مُبرَّر.
سأختم بموقف بسيط يعكس لكم مدى التدخل الذي يمكن أن يحدث من الآخرين في حياتكم. منذ أيام بسطية كانت زوجتي في السوق برفقة فتياتي، وبينما كانت زوجتي تحاسب على المشتريات، كنَّ بناتي يقفنَّ بعيداً عنها قليلاً، فتقدمت إليهنَّ إمرأة كندية لا تعمل في المتجر، وبدأت تسألهن إن كنَّ قد دفعنَّ ثمن ما يأكلن .. فأجابت إبنتي الكبرى (نعم)، فقالت: (أريني الفاتورة!)، طبعاً شعرت البنات بشيء من الرعب وكأنهنَّ يُمارسن نوع من أنواع الجريمة!
في تلك الأثناء كانت زوجتي تستمع للحوار وتدخلَّت مباشرة وسألت المرأة (هل تعتقدين بأنَّ أطفالي لم يتم تربيتهن؟!) .. إرتبكت المرأة .. وأكملت زوجتي (هل تعتقدين أننا نُعلِّم أطفالنا السرقة؟ نحن نُعلمهم الأخلاق الحميدة) .. وبعد ذلك أجهزت عليها قائلة (لماذا لا تقومي بإدارة شؤونك الخاصة أفضل لك وللجميع؟) .. فأدارت المرأة ظهرها وانصرفت!
هذا موقف بسيط من المواقف التي يتعرض لها المهاجرون في كندا، فإن كان المجتمع الكندي لبقاً ولطيفاً .. فهذا لا يعني أنه لا يوجد فيه مَن يترصد بكم وبأفعالكم، ومادامت أفعالكم ضمن إطار القانون .. فلا تسمحوا لأحد – أياً كان – أنَّ يتعدى عليكم أو يُهينكم أمام أطفالكم أو يفترض فيكم السوء فقط بسبب ملامحكم العربية وسمتكم الإسلامي.
ليس مهماً أن تتفقوا معي أو تختلفوا، لكن مهم جداً أن تفهموا القانون في المكان الذي تعيشون فيه وأن تعيشوا بكرامة .. وأن تتقوا الله في نُطَفكم .. فالله أحق أن تخشوه أكثر مما تخشون الدولة الكندية، وهو الذي سيُحاسبكم على تربيتكم لهم.
0 التعليقات: